قائمة المنشورات
صدر حديثا
أقوال الصحف
حسام بن عمار , 11 Nov 2015 10:25
رواية «سعادته.. السيد الوزير» نموذجا لخروج الإبداع التونسي من عنق الزجاجة
رواية «سعادته.. السيد الوزير» نموذجا لخروج الإبداع التونسي من عنق الزجاجة

لئن سبق لكاتب تونسي الترشح لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية حيث لم تخل القائمة القصيرة لسنتي 2009 و2012

من عملين جميلين صادرين عن دار الآداب اللبنانية هما على التوالي "روائح ماري كلير" و"نساء البساتين " للكاتب الحبيب السالمي فإن ما يميز رواية " سعادته السيد الوزير" التي نافست بقوة على نفس الجائزة العالمية لسنة 2013 أنها من إنتاج قطاع إنتاج تونسي خالص.

قدم الكاتب التونسي حسين الواد عملا جميلا، ولم نكن كقراء نتوقع منه غير ذلك خاصة بعد حصوله على جائزة " الكومار الذهبي "الأدبية في تونس عن عمل سابق بعنوان "روائح المدينة " الصادر سنة 2010 ومع ذلك فإنه يجدر التنويه أيضا بنباهة دار الجنوب للنشر وخبرتها في اكتشاف عديد الأعمال الجيدة والمراهنة عليها شأن رواية الحال.

وكما هي كافة الأعمال الأدبية التي تتوفر على إبداع حقيقي ينطلق من فكرة بسيطة تجمع بين الطرافة والجاذبية تتنزل رواية " سعاته السيد الوزير"كاشفة واقع مجتمع ينتمي إلى إحدى دول العالم الثالث الغارقة في منظومة فساد لا تني تلفظ ضحاياها خارجا بين فترة وأخرى ضحايا لا ذنب لهم سوى عدم قدرتهم تجاهل كل ما من شأنه نفض غبار الفقر عنهم والسير في طريق الجاه والسلطة.

فكرة بسيطة قوامها مُعلم متواضع الحال يتحول إلى وزير بين عشية وضحاها. نوع من القصص التي تجذب أي متلق ينتمي إلى تاريخ سياسي وطني يتضمن عديد المنعرجات الحاسمة في حياة مُعلمين زُج بهم في معترك الحياة السياسية ذلك التحول القسري الذي يضاهي موت الثعبان إذا لم يستطع الانسلاخ من جلده يجسده سرد سَلِس ممتع نجح في إبراز البعدين الاجتماعي والسياسي للفكرة فعلى الصعيد الاجتماعي تنقلب حال أسرة تقتات الحد الأدنى من مقومات الحياة. أسرة أصابها الذهول وسط رفاهية وترف أحاطا بها من حيث لا تدري شأن جمود القطط أمام ضوء مبهر انصب عليهم من علٍ ذلك الانتقال الفجئي من طبقة إلى أخرى وتجسد أحلام يرجو كل منا تجسدها على أرض الواقع دون اعتبار لقابلية المساس بثوابت أخلاقية واجتماعية في الحسبان أنها مُحصنة.

أما على الصعيد السياسي فإن للجاه الناجم عن الانضمام لذوي النخبة وحتمية الخضوع إليهم في ذات الوقت تأثيرا يُضاهي إيقاعات الطبول على راقصة إفريقية إيقاعات تَفرِض على مُعلم، وقع اقتلاعه من حياة بيداغوجية خبرها طيلة سنوات، اهتزازات جسدية عشوائية تُشعِره على الدوام أنه لا يعدو أن يكون دخيلا يُغرد خارج السرب.

وعلى ذات الصعيدين أيضا كان الوقع المضاعف للصدمة إذ سرعان ما تولدت مرارة مزقت قلب أب يشهد انحرافا أخلاقيا ضرب أطناب أسرته، أسرة يُنشئها المرء من صلبه راجيا إخراج أفراد من خيرة البشر. أبٌ انشغل بمنصبه السياسي حتى تبين أنه لا يعدو أن يكون سوى كبش فداء من صنع ذوي النخبة، تبريرا لفساد حكومة أبتْ إلا أن تفرض نفسها منذ بداية الرواية، من خلال اعترافات ضحية خسر كل شيء حتى لم يبق سوى أن تنطبق الأرض والسماء عليه.

أما متلقي هذه الاعترافات فهو قاضي تحقيق مجازي في إسقاط مباشر إلى قارئ بوسعه منذ البداية أيضا توقع مأساة تبعية تصاعدية، تبدأ من الفرد، مرورا بدولته، ووصولا إلى عناصر مجتمع دولي تروم الحفاظ على مصالحها، دون أن ينتقص ذلك من متعة اعترافات صادقة تُجسد حقيقة عدم اكتفاء المرء منا من الوقوع في الأخطاء تباعا، بحيث تتأتى له أكثر التجارب مرارة داخل مجتمعات فاسدة. اعترافات يؤكد في نهايتها المُعلم أو الوزير بأن"الحكومة في الحقيقة ما هي إلا وكر هائل للخناء".

وفي ذلك تقول الكاتبة نوال السعداوي"كرامتنا مرهونة ما دمنا نعول على الآخر في طعامنا". 


المصدر : تورس