قائمة المنشورات
صدر حديثا
أقوال الصحف
يقظان التقي , 11 Oct 2016 12:07
«حمّام زنوبيا» للصحافي رياض معسعس: رحلة العذاب في السجون السورية
«حمّام زنوبيا» للصحافي رياض معسعس: رحلة العذاب في السجون السورية

«حمام زنوبيا» للصحافي السوري رياض معسعس عن «منشورات دار الجنوب»، في سلسلة عيون المعاصرة، تقديم توفيق بكار مزيج من قصص وخواطر وتأملات وأفكار من السجن السوري الطويل.

 

ليست رواية، أقرب الى الأفكار وربما تقربها الى الرواية سردية حيث لا أشخاص كثيرة فيها ولا أحداث كثيرة ولا تتبع التطور الدرامي من الألف الى الياء، بل يتم رصد النهاية في الصفحات الأولى. لذلك لا يمكن القول عنها إنها رواية. بل هي أقرب الى التأملات البعيدة لأحداث واقعية لكن بعيدة جرت في ذلك السجن الكبير.

 

ليل طويل، فلك عيش وتشريد شباب، ومظالم وكم أفواه ورشاوى ووشايات، وسياط عذاب، وأرواح تزهق.

 

المكان في صحراء القطر السوري، حيث يقص رياض معسعس من وقائع المعيش، ما عانى بنفسه في السجون، وما عانى من عذاب غيره من الخلق الكثير، وما أخبر به من بعد عن مصرع أصحابه على أيدي زبانية البغاة وأخرجها في ما يشبه الرواية. أورد الحكاية والأحداث بلسان المتكلم (أنا) في نوع من السرد الذاتي ومع أن القصة قصته فالمحدث في الرواية هو شخص سواه يدعى مالك حصيرة، فاعلاً ومفعولاً به من الأحداث مع أن رياض معسعس فيها بدء ومنتهى.

 

وأحياناً كالصامت ورجع الصدى في لعبة الضمائر الكثيرة، حيث كنّى عن أصحابه تغيير أسمائهم، ملتجئاً الى حمام زنوبيا، يحتمي في مغاوره، ويكاد لا يصدق أنه نجا. بل كأنه مات بعد وبُعث حياً.

 

فقير، يتيم، قتل أبوه، ثم أخوه في الحرب تلو الحرب دفاعاً عن البلاد. وماتت الأم من بعد عليهما غماً. فتى درس في كلية الآداب والنفس وعلى يد أستاذه في التاريخ فاتح ماضي. لكنه عمل في تركيب أعمدة الكهرباء وخطّ طريقه الى جوف الصحراء. جدّ كثيراً في أوقات العمل وتعرّف الى ماري عالمة الآثار وفي ساعات الفراغ يذهب معها الى حمام زنوبيا الأثري(...)

 

كان يمكن أن يدوم طيب العيش لمالك لولا الكنز اللعين، كنز مروان بن عبد الملك آخر ملوك بني أمية طمرته بنته عبدة بعد مقتله. تعلم مالك من أستاذه فاتح، إلا أن كشفه في الرواية من إبداع النص والداعي اليه تلك الشقراء الفرنسية ماري جاءت تدعي السياحة والغرام بحضارة سوريا العتيقة وحلت بالورشة ووقع مالك في هواها وساعدها على إخراج الكنز، فإذا بهما يسرقان من كنوز البلاد وكانت رحلة السجن، «الآلة الجهنمية السورية في فواجع الاغريق القدامى ودواليبه القاتلة» فعاقبوه ونقلوه الى سجن دمشق في قاووش ضيق مكتظ بمعتقلي السياسة السوريين والفلسطينيين وبتفنن في أساليب العنف ووسائله..

 

الإصدار ولو جاء متأخراً تعبير عن حالة، لها لغتها وبنيتها وليس بالشكل الروائي بالمقاييس المعروفة، وهو أقرب الى القصة الطويلة، مونودراما ملونة وكتابة بحرية أكثر، كتابة محمولة بأفكار ولغة تستعمل بعض الخيال من نوع الكشف عن الكنز المجهول.

 

ولأن معسعس صار أقرب الى الحرية أو الى حدود الحرية، صار يرتجل لغته، صوته، أدبه، حكاية بلده، ميتافيزقيته الجسدية وعذابه وعذاب الآخرين، ذاكرة بنص طويل تجادلي مع سيرة ذاتية في مكان ما ورياض معسعس من جيل المثاقفة وهو ساهم في تأسيس وإدارة العديد من المؤسسات الإعلامية العربية كإذاعة الشرق وإذاعة مونت كارلو من باريس وإذاعة الأمم المتحدة «مرايا» في الخرطوم، وإذاعة سبكتروم وقناة ام.بي.سي. اللندنية، وقناة العالم، وقناة ميدي سات وقنارة يورونيوز.

 

وهو كاتب مقال في أكثر من صحيفة عربية. 

 

ثم أن كتابة الرواية أو ما يشبه الرواية تأتي عنده في منطقه شعورية مرحلية في سوريا اليوم التي تعيش حريتها كما الفكر والأوراق والفلسفة والأدب. لغة ممسوكة تجتمع في نص أدبي يستخدم هامشاً من النص الى السرد الروائي من دون توظيف كامل العناصر الروائية أو تلك التي تخدم الرواية كبنية فنية مستقلة.

 

لم يستطع أن يوظف الكاتب العناصر المكثفة من «الأنا» لخدمة الرواية. ربما ملامح سردية من سيرة ذاتية بلغة نثرية وتواريخ بعيدة ومشهراً ما يخدم السرد والنص والحوارات المقفلة عنصر الرواية. إذاً هي تعبير عن حالة تكرر المعلوم عن ممارسات النظام السوري القمعية وسجونه الظلامية وبإمكان العسعس أن يكتب قصة طويلة كما نسميها مونودراما سورية من ذلك المجهول الذي عاشه كثر في السجون السورية، ويكتب ما يكتب من أدب مضاف الى شبه سيرة وبمنطق لغوي ونص متحفظ قليلاً. ذلك أن المشهد السوري وما آل إليه تجاوز كل تلك الروايات، والأشياء الرمزية انتهت وضغط المساحة والوقت يجعل من فكرة «حمام زنوبيا» الرومنطيقية تكرر المعلوم والواقع الذي صار أكثر قساوة.

 

مع ذلك حمل «حمّام زنوبيا» لحظات تداخلت فيها اللعبة القصصية والمكان واللعبة الشعرية وخواطرها وتأملاتها الى معاناة معسعس من دون خلل في السياق أو تراكم الجمل على طبقات لغوية متينة في فضاء ملموم يملك أسرار اللعبة ومساحة التجربة من الكتابة عن مرحلة مرتبطة بتاريخ معيش في سوريا.

 

المهم أن رياض معسعس يعزز علاقته مع الكتابة وبألفة وعلاقة تفاعلية ويغامر في اللعبة الروائية ويبقى عليه أن يتوغل ويستمر في التجريب أكثر وهو يملك المخزون بكل تنويعاته وتجادلياته وتذكراته.

 

المصدر : المستقبل