Catalogue
nouveauté
Presse
Fawzia chawich elsalem , 03 Jun 2013 16:10
سعادته السيد الوزير
سعادته السيد الوزير

«سعادته السيد الوزير» للكاتب التونسي حسين الواد، هي الرواية الثالثة التي قرأتها من القائمة القصيرة المرشحة لجائزة البوكر العربية، والتي أحضرتها مع مجموعة الكتب القليلة في حقيبتي، اخترتها بسبب خفة وزنها عن غيرها من كتب القائمة المرشحة للجائزة. الرواية هذه قالت كل ما نعرفه عن حياة وتصرفات الحكومات الفاسدة في عالمنا العربي أو دول العالم الثالث أو أي دولة أخرى يحكمها عالم الفساد الإداري فيها، ولم تأت بأي شيء لا نعرفه عنها، فهذا الفساد بات مكشوفاً عنه الحاجب وكل طرقه وأساليبه والتواءاته باتت معلومة ومفضوحة، خاصة مع الانفتاح الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة. لكن الرواية مع هذا تشد القارئ إليها فهي «طبخة قديمة لكنها فاتنة»، والجملة التي بين قوسين استعرتها من الكاتب المبدع عزت القمحاوي. أهم ما يميز هذه الرواية في رأيي هو نضج تجربة كاتبها التي تشعر القارئ بأنها كُتبت للكبار، بسبب نضوج وعمق تحليلها لفساد النظام السياسي في بلد ما يسوده ويحكمه فساد نظامه. كتابة حسين الواد محملة ومختومة بنضج تجربته العمرية والإبداعية، لذا امتلكت هذه اللغة المحكمة في توازنها، والمسددة لسهام ما تريد إيصاله بدقة ووضوح بدون أي ترهلات أو زيادات فيها. الرواية تحكي عن رئيس وزراء وصل بطرقه الملتوية إلى تسيد الوزارة، ومن ثمة وزر ابن خالته المعلم في مدرسة لرئاسة وزارة مستحدثة باسم الموارد الطبيعية والممتلكات، وكان هدفه من هذا هو تمرير بيع ممتلكات الدولة بكل ما على أرضها من مصانع ومصادر طبيعية، وحتى ما في باطنها وسمائها وأنهارها وبحرها، ويتم تمرير هذه الصفقات بألعاب ماكرة تدار من أعلى السلطة وهو حاكمها إلى رئيس وزرائه وكبار التجار وعملاء من دول أخرى، حتى تفلس البلد تماماً، ويؤخذ المعلم إلى السجن بعد فساده في علاقات جنسية مع العاملات المدسوسات له في مكتبه، وانحراف أبنائه وزوجته، وينتهي الأمر به إلى مستشفى الأمراض العقلية، حيث يقتله أحد المرضى، بينما يهرب ابن خالته رئيس الوزراء إلى الخارج بعدما دمر قريبه. الرواية مليئة بتعبيرات ساخرة صورت رجال عالم السياسة المرتبط بالصفقات المريبة وعلاقات المصالح، التي لا ذمة ولا دين لها، اختلط بها الرياء بالجنس وبالدسائس المطبوخة على نار هادئة التي ترضي جميع أطرافها، والمهزوم والمغلوب على أمره هو الشعب المسكين والوطن المنهوب حتى سوس قاعه. وهذه بعض منها: «مازلت أبحث عن ذلك الشيء المختلف، كلما أدركته في أنثى تخيلته في غيرها أطيب وأحلى، فمن يومها وأنا أجري وأجري، ثم هل تركتم لي ولأمثالي مضماراً آخر للتنافس غير الركض وراء الإناث؟ هل الذنب ذنبي سيدي إذا كنت لا أرى امرأة إلا تخيلتها معي في الفراش؟ يكفي أن تكون امرأة حتى يكون الفراش وراءها، شيء خلقت به. أنا سيدي أؤمن بالشرف، أقدسه تقديسا، لكني أعتقد أن الشرف مع الاحتياج، لا شرف له مع ثقافة الماضي، ثقافة المرأة الخادمة، امرأة تعدد الزوجات، ولا مع هذه الثقافة المسخ التي تنشرها وسائل الإعلام، ثقافة المرأة الشيء، ثم، قل لي، وأنت الخبير بجميع القيعان والسراديب والمجاري، هل يعقل أن يودع الشرف بين سيقان النساء؟». «لم يكن نظرائي أولئك الوزراء أغبياء أو تافهين كما تصورت، كانت وراء كل منهم قوة تنتفع منه وتسنده، قوة خارجية أكثر منها داخلية، فقوى الداخل لا يأبه بها أحد، ثم إن شؤون الداخل تُفصل وتُخيط دائماً من الخارج، ليس لنا إلا أن نلبس الكساء سواء أضاق أم قصر. كانوا اذن مفروضين على الجميع يتلقون التعليمات معلبة من وراء الحدود. كل شيء يتم التفاوض فيه سراً في المكاتب الموصدة، أما الاجتماعات والمجالس الوزارية والتصريحات والتحقيقات الصحافية والمقالات فتغليف محلي لبضاعة جاهزة انقضت آجال استهلاكها». رواية لم تأت بالجديد لكنها شخصت أوجاع جميع أمراض الوطن العربي، خاصة تونس، فقط انطبق تشخيصه عليها بالضبط، فهو بعد كتابة روايته قامت الثورة في تونس التي هرب فيها رئيسها وزمرته. أحياناً الروايات تمتلك قوة تنبؤية تأتي بما توقعته