Catalogue
nouveauté
Presse
سيماء المزوغي , 19 Jan 2016 15:30
أنا أكتب للتاريخ لكي لا يتمّ تزويره ولا أعتقد أنّ وزارة الثقافة بحاجة إلى وزير
     أنا أكتب للتاريخ لكي لا يتمّ تزويره ولا أعتقد أنّ وزارة الثقافة بحاجة إلى وزير

يطلّ علينا الكاتب توفيق بن بريك هذه المرة من خلال كتابه الجديد NEW YORK BANLIEUE DE TUNIS أو نيويورك ضاحية من ضواحي تونس، والكتاب كما عرّفه صاحبه هو تشخيص لتونس

تونس التي تتماهى مع صورة المرأة الوحيدة التي تنير حياة الكاتب بن بريك، تونس التي ينخرها الفساد.. «المغرب» حاورت توفيق بن بريك عن هذا الكتاب الجديد وعن المشهد الثقافي في تونس اليوم ومتطلباته.

ما رأيك في تعيين سنية مبارك وزيرة للثقافة؟
ليست لدي أي صلة بسنية مبارك، لكني أقول أنّ الحكومات التي تتالت لا تمتّ بصلة إلى الشعب التونسي، وليست لهم أي علة تذكر به، الفعل الثقافي أو العمل الثقافي هو عمل متكامل ومتجانس، الثقافة في تونس غير موجودة.. ولا أعتقد في ذات السياق أنّ وزارة الثقافة بحاجة إلى وزير، وزارة الثقافة بحاجة إلى المال، فلكي تقوم بالمسرح يحتّم عليك أن تمتلك مال قارون، ولكي تقوم بالسينما يجب أن تمتلك ثمن قنبلة نووية، الكتابة فقط هي التي يستطيع التونسي أن يقوم بها، لأنّ الكتابة لا تتطلب تدخل مؤسسات، ولا إدارات ولا بيروقراطية.. فقط الكتابة تتطلب التفرّغ والشروع في الكتابة، يمكن أن يستغرق الكتاب سنة من الكتابة، وهذه السنة التي تتطلب تفرّغا كليّا ولا يستطيع الكتاب أي يفي بثمن هذه السنة..

هل يؤسفك أنّ قلّة قليلة من التونسيين يقرؤون باللغلة العربية، فما بالك باللغة الفرنسية؟
هذا الموضوع هو بمثابة جدار سميك، إن نظرت إليه لا أستطيع أن أمضي وأكتب، وأنا لا أكتب للقاريء، ولا أكتب لنفسي، أنا أكتب للتاريخ لكي لا يتمّ تزويره، حتى لا يزوّر خدم وحشم بن علي وبورقيبة التاريخ.. لذلك أنا أكتب وسأواصل الكتابة فبها أقاوم بها وأكتب تاريخ تونس..

وفي تونس ربما ليست لدينا ثقافة الكتاب بالشكل المطلوب؟
ليست لدينا في تونس ثقافة الكتاب وهيبته، في فرنسا على سبيل المثال، دار الكتب يزورها كل سنة ملايين الأشخاص، يزورونها أكثر من التوريفال، فأن تقرأ كتاب، أو أن تذهب لمشاهدة مسرحية، أو فيلم سينمائي أو حضور توقيع كتاب ما، ليست في عادات التونسيين، وليست حركة طبيعية لشعب يريد أن ينهض، قلتها دائما في بيروت على سبيل المثال يقدّسون الكتاب تقديسا كبيرا، فبالنسبة لديهم الحبر سحر وقداسة أما في تونس فكل شيء يختلف.. إذا ما أصبح الفعل أو العمل الثقافي حركة طبيعية، وإذا ما كففنا عن اجترار الماضي فإنّنا سنتغير للأفضل على كل حال..

كيف مزجت الخيال بالواقع في كتابك الأخير «نيويورك ضاحية تونس"، حتى أننا في بعض الأحيان اختلط في أذهاننا الواقع بالخيال؟
الواقع يسبق الخيال، هذا الواقع التونسي الذي عشناه، الواقع يفوق الخيال بكثير، والخيال مهما كبر أحيانا هو صغير أمام الواقع بل محدود أحيانا.. لم يكن عندي عناء التخيّل ولا أي عناء آخر فالذي عشناه في تونس أكبر من الخيال، فقط كان لدي عناء السرد، أقصد الإجهاد في بناء السرد والجمل، لم تكن عندي القدرة الجسدية على الكتابة باللغة العربية، والكتابة أيضا هي عمل جسدي أو لا تكون، هي إجهاد جسدي ومعاناة، أي كاتب مهما كان، يستعدّ جسديا للكتابة ويطلب ممّن حوله أن يعينوه طوال مدّة تأليف الكتاب..

صديقي الأستاذ توفيق بكار غضب عندما كتبت هذا الكتاب باللغة الفرنسية، واعتبر أنّ كتابي «كوازاكي» غيّر له وجهة نظره، أرادني أن أكتب باللغة العربية، لأنّ الكتابة بهذه اللغة ستزاحم الكثيرين ممن يكتبون بها، فالحقد الأدبي أكبر من الحقد الديني.. فعندما تكتب باللغة العربية وكأنك تفتكّ «خبزة» أحدهم.. وأنا كما قلت أكتب باللغتين، هنالك كتب لا أستطيع أن أكتبها إلا باللغة العربية وأخرى لا أستطيع أن أكتبها إلا باللغة الفرنسية، أحيانا تعترضنا مشكلة ذكاء اللغة، حيث أنّ هناك حكايات أو شخصيات لا تستطيع حكيها أو رسم ملامحها إلا باللغة العربية وهناك حكايات لا تستطيع أن تكتبها إلا بالفرنسة، وهناك حكايات أخرى لا تستطيع إلا أن تكتبها بالدارجة.. ولكلّ لغة سرّها وجمالها..وكما قلت دائما يبقى بطل كل الكتب هي الكتابة نفسها، هذه الكتابة هي حرفتي وعملي ولا أستطيع أن أفعل شيئا غيرها..

في كتابك الأخير "نيويورك ضاحية تونس" لا حظنا استعمالا مكثفا للسخرية هي جلية أحيانا ومبطنة أحيانا أخرى، وهو أسلوبك المعتاد، لكن هذه المرة كانت السخرية بطعم المرارة أحيانا وبطعم القوة أحيانا أخرى؟
أحيانا لا يمكن أن تجابه «الشر» إلا بـ«الشر»، السخرية، أو «الفذلكة» أو التهكم، أو حتى التهريج، لتسميها ما تشائين، ولكن هذه الأوصاف هي متاع ضعفاء الحال، ولكن من حقنا أن نعبّر كما نشاء وبأي أسلوب نشاء، الكثير من الأحداث التي نعيشها اليوم لا يمكن أن تكتب إلا هكذا.. في التراث لدينا «جحا» وشارلي شابلن» استعملوا الإضحاك والسخرية وأبلغوا.. العديد من الكتاب يستعملون السخرية، والقارئ يحسّها ويتفاعل معها ويقبلها، أو لا يفعل ذلك.. كتابي الأخير هذا ليس ضد السلط التي تداولت بعد فرار بن علي بمن فيهم الباجي قائد السبسي الذي جلس «وبرك» في القصر وكانت وعوده كاذبة، ولكن كتابي للتاريخ.. نحن لهثنا ولهثنا كثيرا حتى سقطنا لكننا سنقف لهم من جديد وسنلملم جراحنا وسنواصلوا الطريق واقفين..